محمد بن عباد أحد أبناء الخليفة المعتضد بالله ملك اشبيلية
خرج ذات يوم مع صاحبة ووزيره لاحقاً ابن عمار إلى مكان يدعى ” مرج الفضة ” وكان محمد شاعر متواضع يخالط العامه ، وبينما هما يمشيان على ضفاف النهر في مرج الفضة ورى محمد تموج النهر بسبب الرياح ، فقال شطر من بيت
” صنع الريح من الماء زرد ”
وأشار لأبن عمار أن يكمل البيت وكان ابن عمار شاعرا أيضاً ، فأخذ يفكر وفكر ولم تسعفه قريحته الشعرية ، ليسمع صوت من على ضفاف النهر يكمل الشطر
” أي درع لقتال لو جمد ”
كان من أكمل البيت جارية تغسل الثياب على حافة النهر تسمى ” إعتماد ”
فلما سمعها محمد أعجب بها وبذكائها وسرعة بديهتها وافتتن بجمالها ، فأمر اتباعه ان يخطبوها له ويأتوا بها له كزوجه لا كجارية
وكان يحبها حبا عظيما ولا يقوى على فراقها ساعة ، حتى أنه عندما تولى الخلافة سمى نفسه ” المعتمد على الله بن عباد ” مشتقا إسمه من إسمها
استمرا في حبهما وكان يعيشها الرفاهيه والعز في ابهى صورة
وذات بوم رأت جواري يبعن اللبن وقد شمرن عن سيقانهن وسواعدهن ويخضن في الطين ، فحنّت إلى ماضيها وطلبت منه أن تفعل هي وبناتها كما يفعلّن الجواري ولكن على الطريقة الملكية
فما كان من المعتمد بالله إلا ان نفذ امرها في صورة من البذخ والترف المكلف ، حيث امر بالمسك والكافور والعنبر وغيرها ان تسحق مع بعض وأن تعجن بماء الورد ليكون على شكل طين ، فتفعل اعتماد كما فعلن الجواري ، تشمر عن ساقها وساعدها وتخوض في الطين مع بناتها
ولكن الدنيا لا تدوم لأحد ، فقد كان هناك أمير يدعى ابو يعقوب يوسف بن تاشفين وكان يربطه علاقه مع ملوك الطوائف ومنهم المعتمد على الله ولكن أنتهى هذا التعاون بالعداوه ، فغزى المعتمد على الله ودخلوا في معارك أدّت إلى استسلام المعتمد على الله وقتل اثنين من أبنائه وتم نفيه إلى ” أغمات ” مكان في جنوب المغرب
فعاش المعتمد على الله ذليلا صغيرا فقيرا ، فكان بناته يغزلّن الغزل ويبيعونه على الناس ليجدوا قوت يومهم
ويُذكر أنه غضب من زوجته اعتماد يوما ، ( وكما نعلم بأن النساء ناكرات المعروف الا من رحم ربي ) فقالت : لم أرى قط خيراً معك
فقال : ولا حتى يوم الطين ، فبكت وأعتذرت !!!
وكان المعتمد على الله قد كتب أبيات يرثي نفسه ويصف حاله نهار العيد وهو في الأسر :
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا …
وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ …
فساءك العيد في “أغمات” مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً …
في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
برزن نحوك للتسليم خاشعةً …
عيونهنّ فعاد القلب موتورا
يطأن في الطين والأقدام حافيةً …
كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت …
تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا
لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره …
وقبل كان بماء الورد مغمورا
لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ …
وليس إلا مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه …
ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً …
لما أمرت وكان الفعلُ مبرورا
وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ …
فردّك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به …
أو بات يهنأ باللذات مسرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت …
فإنما بات في الأحلام مغرورا
الكاتب بتصرف : صالح أحمد