عندما جَندَل عمرو بن كلثوم برأس عمرو بن هند

أشارت المراجع التاريخية، أن الملك عمرو بن هند أضمر للشاعر عمرو بن كلثوم الحقد لما رأى عنده من شدة فخر وتباه وتشامخ.. وكان عمرو بن هند ملك الحيرة.

وفي ذات يوم، كان الملك عمرو بن هند في مجلسه وبين أفراد حاشيته شاعراً بالعزة والعظمة فطرح أمام كبار قومه قضية غريبة:

أخبروني يا رجالي الأوفياء.. هل يوجد في هذا الكون من هو أعز مقاماً وأشد أنفة، وأعظم قدراً مني..

كان السؤال غريباً.. وكانت الإجابات تحمل من الخوف ما جعلها تتسربل بالنفاق.

فردت عليه حاشيته بقولهم:  لا أيها الملك العظيم.. لم نََرَ.. ولم نسمع عن ملك أعز منك شأناً وأعظم قدراً.

ثم كان سؤال الملك الأغرب:

هل تعلمون أو تتخيلون أن أحداً من العرب ـ أينما كان ومهما بلغ شأنه ـ تأنف أمه من خدمَة أمي؟

أمام هذا السؤال الرهيب، أدرك الملك أن الإجابات ستكون إجابات الخائفين.. والخوف يمنع الصدق ويبيح النفاق، ولذلك أردف قائلاً:

أريد إجابات صادقة ومهما كانت هذه الإجابات فإنني ســأقبلها وسأحترم أصحابها.. أريد فقط أن أعلم.. هل هناك رجل من العـرب تأنف أمه من خدمَـة أمي؟

قال أحد الجلساء، وكان شجاعاً وجريئاً معروفاً بصدق روايته، وثقة مصادره:

نعم أيها الملك العظيم.. نعرف من تأنف أمه أن تخدم صَاحَبة الفضيلة والعزة أمكم.

ومن هو قالها الملك عمرو بن هند، والشرر يتطاير من عينيه.

فأجابه الرجل : عمرو بن كلثوم أيها الملك العظيم.

كان وقع الاسم على الملك رهيباً، فهو يعرف صاحبه.. وسبق أن استمع إليه وهو يقوم بدور الحكم في خلاف جديد وقع بين قبيلة بكر وقبيلة تغلب.. ولقد ألقى يومها عمرو بن كلثوم جزءاً من معلقته مفتخراً على خصومه دون أن يعير مركز الملك عمرو بن هند أي اهتمام أو تقدير.. وهذا ما جعله يومها يحكم على التغلبيين لمصلحة بني بكر.

فسأل عمرو ولماذا تعتقد أن أم هذا الشاعر تأنف من خدمة أمي؟

فأجابه الرجل: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه.

انتهى المجلس بعد ذلك لتضج فكرة غريبة في ذهن الملك عمرو بن هند، وقد قام بتنفيذها على الفور، حينما أرسل أحد خلصائه إلى عمرو بن كلثوم يدعوه فيها أن يزوره هو وأمه ليلى والتي تحبها أم الملك وتريد إكرامها..

قَبلَ عمرو بن كلثوم دعوة الملك عمرو بن هند، ورحل مع أمه في موكب من الخدم والحشم وثلة من فرسان القوم الأشداء، فهكذا كان سفر أسياد القوم في ذلك الزمن.

وما بين الحيرة والفرات، ضرب عمرو بن هند رواقه وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا.

ودخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة في جانب الرواق.

وهند أم عمرو الملك كانت عمة امرئ القيس بن حجر الشـاعر وتجمعها صلة القرابة مع ليلى بنت المهلهل.. فعمتها فاطمــة أخت المهلهل هي أم امرئ القيس.

وضع الملك عمرو بن هند خطة الإذلال مسبقاً فطلب من أمه أن تأمر الخدم بالانصراف وأن تقوم ليلى أم عمرو بن كلثوم هي بالخدمة..

ـ ليلى.. ناوليني هذا الطبق الذي أمامك.

هزّ الطلبُ قلب ليلى.. فتغير وجهها.. ومع ذلك صبرت وقالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.

فكررت هند طلبها مرارا وتكرار وأصرت عليه

وهنا صاحت ليلى:

واذلاه.. يا لتغلب.

صدم صوتها سمع ولدها عمرو بن كلثوم.. فثار الدم في وجهه.. ووثب إلى سيف لعمرو بن هند معلق بالرواق ليس هناك سيف غيره.. فضرب به رأس عمرو بن هند.. ونادى من رافقه من فرسان تغلب.. فغنموا ما في الرواق.. وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة العربية.

اعتبرت معلقة عمرو بن كلثوم أحسن المعلقات، حتى أن بعض النقاد قالوا: “لو وُضعت أشعار العرب في كفة وقصيدة عمرو بن كلثوم في كفة لمالت بأكثرها”.

وقد بدأ عمرو بن كلثوم بنظم هذه المعلقـة قبل أن يقـتل الملك عمرو بن هند، ولكنه أضاف إليها تســجيلاً لما جرى تلك الأبيات التي تجسد الحادثة وتشير إليها.

تبدأ معلقة الشاعر عمرو بن كلثوم بهذا المطلع:

ألا هبي بصـحنك فاصبحينا

ولا تبقـــي خمـــور الأندرينا

مشعشعة كأن الحصَّ فيها

إذا ما المــاء خالطـها سخينا

ونظراً لطول المعلقة فإننا نختار منها الجزء المتعلق بتلك الحادثة:

ألا.. لا يجهــلن أحــد علينـا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

بأي مشــيئة عمرو بن هـند

نكون لقيلكم فيها قطينا

بأي مشــيئة عمــرو بن هــند

تطـــيعُ بنا الوشـــاة وتزدرينـــا

تهـــدَّدْنا وأعــــودنا رويــــدا

متى كــنا لأمـك مقــتوينا

فـــإن قناتنا يا عمـــرو أعــيت

على الأعـــداء قــبلك أن تلينا

ورثنـا مجــد علقمـةَ بن سـيف

أباح لنا حصــون المجـــد دينا

ومنّا قبــله الســــاعي كَليــب

فأي المجــــد إلا قـد وليـــنا

ونحـن الحاكمــون إذا أُطعـــنا

ونحـن الآخـــدون لمـا رضـينا

إليكـــم يا بنـي بكـــر إليكــــم

ألمّّـا تعـــرفوا مــــنّا اليقـينا

كـأنا والســـــيوف مســـلّلاتٌ

ولـدنا النــاس طُــرّاً أجمعـينا

ونشــرب إن وردنا الماء صفواً

ويشـــرب غـــيرنا كـدراً وطينا

إذا ما المَلْكُ سام الناس خسفاً

أبينــا أن نقــــرَّ الـــذلَّ فــينا

لنا الدنيا ومــن أمســى عليهـا

ونبطش حين نبطش قادرينا

بغــاة ظــالمين ومـــا ظــلمنا

ولكـــن ســـنبدأ أظالميـــنا

مــلأنا البرَّ حتى ضـــاق عــــنا

ونحــن البحـــر نمـلأه سفينا

إذا بلـغ الفطـــامَ لنا صَــــبيٌ

تَخـــرُّ لــه الجـــبابرُ ساجدينا

وقد افتخر شعراء تغلب بقتل عمرو بن كلثوم للملك عمرو بن هند، ونقل لنا تاريخ الأدب والشعر العربي ما قاله الفرزدق وهو يرد على جرير في هجائه الأخطل:

ما ضــرّ تغــلب وائلٍ أهجــوتَهـا

أم بُلْــتَ حــين تناطــح البحــران

قوم هـمُ قـتلوا ببن هــند عنوةَ

عمراً، وهم قسطوا على النعمانِ

كما قال افنون التغلبي مفتخراً:

لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا

لتخـــدُم ليــــلى أمَّـــهُ بمُــوفَّـقِ

فقام ابن كلثوم إلى السيف مصلتاً

فأمسـك من ندمــائه بالمخنَّق

وجندله عمرو إلى الرأس ضربة

بذي شطبٍ صافي الحديدة رونقِ

الجارية إعتماد

محمد بن عباد أحد أبناء الخليفة المعتضد بالله ملك اشبيلية

خرج ذات يوم مع صاحبة ووزيره لاحقاً ابن عمار إلى مكان يدعى ” مرج الفضة ” وكان محمد شاعر متواضع يخالط العامه ، وبينما هما يمشيان على ضفاف النهر في مرج الفضة ورى محمد تموج النهر بسبب الرياح ، فقال شطر من بيت

” صنع الريح من الماء زرد ”

وأشار لأبن عمار أن يكمل البيت وكان ابن عمار شاعرا أيضاً ، فأخذ يفكر وفكر ولم تسعفه قريحته الشعرية ، ليسمع صوت من على ضفاف النهر يكمل الشطر

” أي درع لقتال لو جمد ”

كان من أكمل البيت جارية تغسل الثياب على حافة النهر تسمى ” إعتماد ”

فلما سمعها محمد أعجب بها وبذكائها وسرعة بديهتها وافتتن بجمالها ، فأمر اتباعه ان يخطبوها له ويأتوا بها له كزوجه لا كجارية

وكان يحبها حبا عظيما ولا يقوى على فراقها ساعة ، حتى أنه عندما تولى الخلافة سمى نفسه ” المعتمد على الله بن عباد ” مشتقا إسمه من إسمها

2378501553_1

استمرا في حبهما وكان يعيشها الرفاهيه والعز في ابهى صورة

وذات بوم رأت جواري يبعن اللبن وقد شمرن عن سيقانهن وسواعدهن ويخضن في الطين ، فحنّت إلى ماضيها وطلبت منه أن تفعل هي وبناتها كما يفعلّن الجواري ولكن على الطريقة الملكية

فما كان من المعتمد بالله إلا ان نفذ امرها في صورة من البذخ والترف المكلف ، حيث امر بالمسك والكافور والعنبر وغيرها ان تسحق مع بعض وأن تعجن بماء الورد ليكون على شكل طين ، فتفعل اعتماد كما فعلن الجواري ، تشمر عن ساقها وساعدها وتخوض في الطين مع بناتها

ولكن الدنيا لا تدوم لأحد ، فقد كان هناك أمير يدعى ابو يعقوب يوسف بن تاشفين وكان يربطه علاقه مع ملوك الطوائف ومنهم المعتمد على الله ولكن أنتهى هذا التعاون بالعداوه ، فغزى المعتمد على الله ودخلوا في معارك أدّت إلى استسلام المعتمد على الله وقتل اثنين من أبنائه وتم نفيه إلى ” أغمات ” مكان في جنوب المغرب

فعاش المعتمد على الله ذليلا صغيرا فقيرا ، فكان بناته يغزلّن الغزل ويبيعونه على الناس ليجدوا قوت يومهم

ويُذكر أنه غضب من زوجته اعتماد يوما ، ( وكما نعلم بأن النساء ناكرات المعروف الا من رحم ربي ) فقالت : لم أرى قط خيراً معك

فقال : ولا حتى يوم الطين ، فبكت وأعتذرت !!!

Tumulo_Al-Mu'tamid

وكان المعتمد على الله قد كتب أبيات يرثي نفسه ويصف حاله نهار العيد وهو في الأسر :

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا  …
                   وكان عيدك باللذات معمورا

وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ …
                   فساءك العيد في “أغمات” مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعةً …
                   في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا

برزن نحوك للتسليم خاشعةً …
                   عيونهنّ فعاد القلب موتورا

يطأن في الطين والأقدام حافيةً …
                   كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا

قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت …
                   تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا

لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره …
                   وقبل كان بماء الورد مغمورا

لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ …
                   وليس إلا مع الأنفاس ممطورا

أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه …
                   ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً …
                   لما أمرت وكان الفعلُ مبرورا

وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ …
                   فردّك الدهر منهياً ومأمورا

من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به
                   أو بات يهنأ باللذات مسرورا

ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت
                   فإنما بات في الأحلام مغرورا

 

 

 

الكاتب بتصرف : صالح أحمد

alsahlisaleh@

قصة نبي الله يعقوب – من التوراة

Surat.Youcef1

سأروي لكم قصة ، أهل الكتاب يفاخرون بها في الحب ، وأبطال هذه القصة
هم نبي الله يعقوب عليه السلام وزوجته راحيل ( البعض قد يكون أول مره يسمع بهذا الإسم )
وسأروي هذه القصة لأن في سيرة الأنبياء والصالحين قصص تثير الهمم وتقوي الرجاء بالله وبها العظة والعبره

قصة يوسف عليه السلام ذكرت في القرآن وهي من أحسن القصص
قال تعالى : { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك … }
وهذه القصة موجودة ايضا في التوراة ولكن بسيناريو مختلف ، وبما أنني سأعتمد على التوراة كمصدر فالقصة فقط للإستمتاع بها ، والا فالقرآن يغنينا عن كل القصص والروايات

يوسف عليه السلام حاول اخوته التخلص منه بسبب حب أبيه المفرط له ،
{إذا قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين }

فكانوا يكنون الحسد والغيره حتى لأخيه بنيامين ويتضح في قولهم: { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل }
فكان يوسف عليه السلام وبنيامين من أم واخوته الأخرين من أم
ولكن القرآن لم يذكر أم يوسف ، رغم وجود إشارات إليها كقوله تعالى
{ والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } وقوله تعالى : { ورفع أبويه على العرش } في اخر القصة في القرآن

تبدأ القصة عندما بلغ يعقوب سن الزواج فأشار إليه والده نبي الله إسحاق

استطراد :
( عائلة الأنبياء : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام
فإسحاق اخوه إسماعيل عليه السلام الذي من سلالته العرب ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وأخو يعقوب عيسو ومن سلالته الأدوميون سكنوا شرق البحر الميت وانتهت حضارتهم
اما يعقوب فلا زالت سلالته إلى الأن وهم الإسرائيليون )

نعود للقصة :
فبعد ان توجه يعقوب بأمر والده إسحاق لزواج من بنت خاله (لابان) والذي يسكن في حران وتدعى الأن العراق
وعند وصوله شاهد يعقوب ( راحيل ) إبنة خاله الصغرى فوقع في حبها
فتقدم إلى خاله وطلب الزواج بها ، فوافق خاله بشرط أن يعمل مع خاله في الزراعة ورعي الغنم لـ سبع سنوات
وهذا الشكل من مهور الزواج كان متعارف عليه في تلك الحقبة من الزمن ، فيذكرنا هذا بمهر موسى عليه السلام ( خصيم فرعون ) عندما اراد الزواج بصفورا بنت شعيب عليه السلام ( هذه الأسماء من العهد القديم – التوراة – )
ولكن كانت المفاجئة فبعد انتهاء السبع سنين دخل يعقوب على زوجته ولم تكن راحيل إنما اختها الكبرى (ليا) ، فثار جنونه وذهب يشكو لخاله ، فقال له جرت العادة في قبيلتنا على ان البنت الكبرى هي من يزوج قبل الصغرى وإني اخشى العار ، فإذا اردت الزواج فعليك اتمام سبع سنين اخرى
وافق يعقوب وفي اثناء هذه المده إشتعلت نار الغيره بين الأختين ، ومما زاد الطين بله ان الله ابتلى راحيل بعدم الانجاب وفي المقابل وصل عدد ابناء ليا إلى 6 ابناء
وبعد صلاة وتضرع لله أتى ملك الجمال (يوسف) وتلاه اخاه بنيامين والذي كان سبب في وفاة امه أثناء وضعه – كما ذكر في التوراة –

B9zIrJQCcAADtv7.jpg large

ورغم ذلك تبنّت ليا أبناء اختها راحيل بعد وفاتها (يوسف وبنيامين )
ولكن بسبب حب يعقوب لراحيل مال في الحب إلى يوسف واخاه على ابناء ليا ، وحدث بعد ذلك قصة يوسف والذئب ، القصة المعروفة في القرآن وقصته مع عزيز مصر والنسوة الاتي قطعن ايديهن وسجنه وتفسير حلم الملك وأخيرا بعد أن أصبح على خزائن الأرض
وهنا نأتي لقوله تعالى { ورفع ابويه على العرش } و قوله { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } فيقول المفسرين فيها والمؤرخين وأهل الأخبار ان المقصود هنا خالته ليا

انتهى

إستطراد أدبي ( احد أحب الاشياء لقلبي الأدب لابد أستطرد فيه ) :

على طاري هذه القصة
يقول شاعر
جاؤوا عشاء دمعهم مطرُ …
وعلى قميصي من دمي أثرُ

من قال إن الذئب متهمٌ …
ما من ذئاب إنهم بشرُ

وقال اخر
تقول هل أنت ذئب كما أدّعوا …
وتنوي افتراسي غدرةً ثم تختفي

فقلت نعم ذئب وهذي براءتي …
تعالي إقرأي عنها بسورة يوسفِ

عمتم مساءً

الكاتب صالح أحمد

@alsahlisaleh

سعوا بيننا

سعوا بيننا حتى لقد كنتَ راضياً …
فأصبحتَ من قولي أُحبكَ تغضبُ
ولم أجنِ ذنباً غيرَ أني ذو هوىً …
 

وأنكَ لي دونَ الأنامِ محبـّبُ
وقالوا ستنسى إن تباعدَ بيننا …
 

فيا ليتَ داري من دياركَ تقربُ
ويا ويلنا إن بتُّ أستعطفُ الهوى …
 

وبتَّ على حكمِ الهوى تتجنَّبُ
فلا تمكنِ الواشينَ من ذاتِ بيننا …
 

فليسَ لهم غيرَ التفرّقِ مطلبُ
وإنكَ لو أبصرتَ ما بينَ أضلعي … 

لأبصرتَ قلبي في لظىً يتقلبُ

أراك طروباً والهاً كالمتيمِ

بالكتابة

أراك    طروباً     والهاً     كالمتيم …

تطوف  بأكناف  السجاف   المخيمِ

أصابك   سهم   أم   بُليت   بنظرةٍ …

فما   تلك    إلا    سجيّة    من رُمي

على شاطئ الوادي  نظرت  حمامة …

أطالت   عليّ    حسرتي    والتندمِ

فإن كنت مشتاقاً إلى  أيمن  الحمى …

وتهوى    بسكان    الخيام    فأنعمِ

أُشير     إليها     بالبنان     كأنما …

أُشير  إلى  البيت  العتيق  المعظمِ

خذوا    بدمي     ذات     الوشاح …

فإنني رأيتُ بعيني في أنامِلُها  دمي

خذوا   بدمي   منها   فإني   قتيلها …

وما  مقصدي   إلا   تجود   وتنعمِ

ولا   تقتلوها   إن   ظفرتم    بقتلها …

ولكن سلوها  كيف  حل  لها  دمي

وقولوا  لها  يا  منية  النفس   إنني …

قتيل الهوى والعشق لو كُنت  تعلمي

ولا  تحسبوا   إني   قتلت   بصارمٍ …

ولكن  رمتني   من   رباها   بأسهمِ

أغار   عليهـا   مـن   أبيهـا   وامِهـا …

ومن لجةِ المسواكِ إن دار في  الفمِ

وأحسـدُ    اقـداحً    تقبـلُ     ثغـرُهـا …

إذا وضعتها موضعَ اللثمِ  في  الفـمِ

أغار  على  أعطافهـا   مـن   ثيابهـا …

إذا   لبستهـا   فـوق   جسـمٍ   مُنـعـمِ

لها  حكم  لقمان   وصورة   يوسف …

ونغمة     داوود     وعفة     مريمِ

ولي حزن  يعقوب  ووحشـه  يونـسٍ …

وآلام     أيـــوب     وحـســرة     آدمِ

ولما    تلاقينا     وجدت     بنانها …

مخضبة   تحكي   عصارة    عندمِ

فقلت خضبت  الكف  بعدي  هكذا …

يكون    جزاء    المستهام    المتيمِ

فقالت وأبدت في الحشا حرق الجوى …

مقالة  من  في   القول   لم   يتبرمِ

و عيشكم  ما  هذا  خضاب   عرفته …

فلا  تَكُ   بالزور   والبهتان   متهمِ

ولكنني    لما     وجدتك     راحلاً …

وقد كنت لي كفي  وزندي  ومعصمِ

بكيت  دماً   يوم   النوى   فمسحته …

بكفي  فاحمرّت  بناني   من   دمي

ولو  قبـل  مبكاهـا  بكيـت   صبابـة …

لكنت شفيت  النفـس  قبـل  التنـدمِ

ولكن بكت قبلي  فهيج  لـي  البكـاء …

بكاهـا  فكـان   الفضـل   للمتـقـدمِ

بكيت على من زيّن الحسن  وجههـا …

وليس  لها  مِثـلٌ  بعـرب   وأَعجمي

مدنيـة   الألفـاظ    مكيـة    الحشـى …

هلاليـة   العينيـن   طائيـة   الـفـمِ

وممشوطة بالمسك  قد  فاح  نشرهـا …

بثغـر  كـأن  الـدر   فيـه   منـظـمِ

أشارت  برمش  العين  خيفة  أهلها …

إشارة     محسود     ولم     تتكلمِ

فأيقنت  أن  الطرف   قال   مرحبا …

وأهلاً   وسهلاً    بالحبيب    المتيمِ

فوسدتها   زندي    وقبلت    ثغرها …

فكانت حلالاً لي  ولو  كنت  محرمِ

فوالله  لولا  اللهِ   والخـوفِ   والرجـا …

لعانقتُهـا   بيـن    الحطيـمِ    وزمـزمِ

وقبلتها    تسعاً    وتسعون    قبلة …

مفرقة    بالخد     والكف     والفمِ

وقد  حـرم  الله   الزنـا   فـي   كِتابـهِ …

وما  حرم  القُبـلات   بالخـد   والفـمِ

ولو حُرِّم  التقبيل  على  دين  أحمد …

لقبلتها على دين المسيح  ابن  مريمِ

ألا فاسقني كاسات خمر  وغنّ  لي …

بذكر   سُليمى    والرباب    وزمزمِ

وآخر  قولي  مثل  ما   قلت   أولاً …

أراك    طروباً     والهاً     كالمتيمِ

يزيد بن معاوية

لا تصورني .. فلست محجبه

لقطة الشاشة (12)

هناك فيديو انتشر لفتاة سورية تعرض منزلهم للقصف ، فحاول بعض الرجال استخراجها من تحت الأنقاض وأخر حاول توثيق الحدث بالتصوير ، فكانت إجابة الفتاة من تحت الانقاض للمصور :
“عمو… لا تصورني… ماني محجبة”

أدمَت فؤادي بنتُ جوبر عندما …
صاحت تَئِّن وبالدماء مخضّبة:

عّماه مهلا لا تصوّر حالتي …
فأنا فتاةٌ بالعفاف مهذّبة

هَتَك العدوُّ ستارنا في غدره …
فغدوت يا عمّاه غير محجبة

هاتوا الحجاب إذا أردتم صورتي …
أو فاتركوني في الرّكام مُعذَّبة

الموت أهون أن يراني خالقي …
في حالةٍ تبدو كحال المذنبة

صوّر اذا شئت الدّمار بمنزلي …
فمشاهد الإجرام تبدو مرعبة

صوّر بقايا من زوايا لهوِنا …
صوّر مراجيحاً إليّ مُحببة

وانظر لعين البائسين بحّينا …
هل ياتراها لا تزال مصبّبة؟!

صوّر ينابيع الدماء لعلّها …
تجري وتسري في العروق المُجدبة

صوّر عراةَ الفكر في أوطاننا …
واكشف نفوساً في الخنا متقلّبة

صوّر رؤوس العُرب وافضح شأنها …
فقد اختفت كنعامةٍ بالأتربة

صوّر وصوّر ما تشاء لفضحهم …
أما انا… يا عم (لستُ محجبة)

ابو سعد السوري

حكايات دامية

عن بيت المقدس

عن سفرنيوس ما عاد يحملُ مفتاح المدينةِ منتظراً خليفةً يأتي ماشياً وغلامه راكب وفي ثوبه سبع عشرة رقعة!

مُذ صارت الثّياب أنيقة صارت الرُّقع في الكرامة ! وما عاد بالإمكان استرداد المدينة صُلحاً فثمة عارٌ لا يغسله إلا الدّم!

عن الأقصى حزيناً… عن الأذان كليماً…

عن الطّرقات تشتاقُ حذاء أبي عبيدة !

عن الزّيتون يحنُّ ليومٍ علّق فيه خالدٌ سيفه!

عن الشّام

عن عمر بن عبد العزيز أقفل وراءه باب الرّاشدين ومضى!

عن مسجد الأمويين… عن المئذنة صامتة، عن المحاريب خالية، عن الحَمَامَاتِ في الباحات جائعة! فما تبقى من قمح لا يكفي لصنع رغيفٍ في أمةٍ كانت تنثر قمحها على رؤوس الجبال كي لا يُقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين!

عن دمشق مكلومة، عن حلب مهدومة، عن حمص مردومة!

عن البراميل المتفّجرة تقطفُ الأطفال قبل أن ينضجوا!

عن منجل الممانعة يحصد عائلةً بضربةٍ واحدة!

عن عرائس مِتْنَ قبل أن يجفّ الحنّاءُ عن أيديهنّ!

عن عجائز تسحّرنَ في الأرضِ وأفطرنَ في الجنّة!

عن طفلةٍ تحت الأنقاض تقول: لا تصوّروني لستُ محجّبة! يا للعفاف في يغلب غريزة الحياة!

عن طفلٍ في النّزع الأخير يقول: سأخبر الله بكل شيء! يا الله من أخبر الصبيّ أننا عميان لا نرى!

عن بغداد

لو علم المنصور أنّ هذا سيكون حالها ما بناها!

عن المدينة المأتم التي يُسلمها هولاكو لهولاكو!

عن العبّاسيين الأنيقين

عن الرشيد يخاطب السحابة: أمطري حيثُ شئتِ

عن المأمون يدفع وزن الكتاب ذهباً

عن البخاريّ مُحدّثاً، عن مسلم مُنقّحاً، عن أبي حنيفة مُؤصّلاً، عن سيبويه مُنحّياً، عن الفراهيدي مُعرّضاً، عن الأصمعيّ جامعاً!

عن دجلة لا يُبرّد نار أرملة، عن الفرات لا يغسلُ عار مُغتصبة!

عن مليون نخلةٍ ولا يجدون عند الأذان تمرة!

عن القاهرة محكومة بالفراعنة!

عن الأزهر أسيراً، عن المتنبي عن كافور كسيراً، يشهد أنّه دوماً يغتالُ عبد السّوء سيّده!

عن الغاز لإسرائيل مجاناً، عن دم رابعة مُسالاً

عن سيّد يتدلى من حبل المشنقة

عن مهزلة المحكمة، عن محكمة المهزلة!

عن معبر إيريز المفتوح ومعبر رفح المغلق!

عن عربٍ صاروا يهوداً أكثر من اليهود!

عن صنعاء

عن الهدهد يُعطي بلقيس رسالة، عن القرآن يروي لنا حكاية، عن سدّ مأرب تقرضه الجرذان! ما أهون العباد على الله إن هم عصوه!

عن المشويّ المخلوع لا يعتبر، عن دمية في صعدة يحرّكها الوليّ السّفيه في قم لإحياء مجد كسرى!

عن غزّة تحفرُ أنفاقها، وتعدّ للمعركة القادمة رجالها، وللأنقاض أطفالها، وللصبايا الجميلات أكفانها!

عن حياةٍ تُشبه الموتَ إلا قليلاً!

عن مدينة صغيرة كبيرة، كبيرة صغيرة، لا هي تعيش فتستريح، ولا تموت فتريحنا بدل أن تذكّرنا كل يوم عارنا!

عن المشلول أكمل السّباق حتى خطّ الشّهادة! وتركنا خلفه لنعرف أن الشلل الحقيقيّ هو شلل القلب!

 

 

أدهم شرقاوي

رمضان أُنس القلوب

  
رمضان يا أُنس القلوب إذا دجا …

ليل الكروب وسُهِّدت أجفانُ
كم من معانٍ فيك لولا أنت …

لم تعرف ولم يعمر بهن جنانُ
كل البلابل في رحابك رفرفت …

فرحاً ومن فمها جرت ألحانُ
حتى الجماد اهتز فانطلق الحصى …

يشدو وترقص خلفه الجدرانُ
رمضان جئت فلا تسل عن شوقنا …

ياليت .. كل شهورنا رمضان ُ