رائعة الدهر

فيما يلي قصيدة “رائعة الدهر” للشيخ عائض القرني :

سلا القلب عن غيد صفت وحسانِ = وأهمل ذكر المنحنى وعمانِ

وما عاد يلهيني الصبا بأريجه = ولو فاح بالريحان والنفلانِ

وخط برأسي الشيب لوحة عاشقٍ = يقول: احذروني أيها الثقلانِ

وكنا نرى أن الزمان مساعد = وأن المنى والسعد مؤتلفانِ

إلى أن كبرنا واستفدنا تجارباً = أحالت ظنون الغيب رأي عيانِ

شربنا ليالي الصفو في كأس غفلةٍ = وناهزت بعد الأربعين ثماني

فمرت كأحلام الربيع سريعة = فأيامها في ناظري ثواني

فلو أنني أرمي بقوس دفعتها = بقوة بأس واحتدام جنان

ولكن قوس العمر ينفذ أسهما = وما للفتى في ردهن يدان

وفي أربعين العمر وعظ وعبرة = ويكفيك علماً شاهد الرجفان

ومن كملت فيه النهى لا يسره = نعيم ولا يرتاع للحدثان

فلا تسمِّعني وعظ قس ولا تسق = عليّ مقامات الفتى الهمداني

فعندي من الأيام أبلغ عبرة = على منبر تلقى بكل لسان

ولما اتخذت العلم خدناً وصاحباً = تركت الهوى والمال ينتحبان

جعلت القوافي الصافنات مراكبي = كأن الضحى والليل قد حسداني

يقولون لي فيك اندفاع وحدّه = فقلت: جمال البرق في اللمعان

ولو كنت في دهر سوى ذا رأيتني = على غارب الجوزاء خط مكاني

أتيت بعصر غير عصري وإنني = غريب فعصري مفلس وزماني

ولي همة لو أن للدهر بعضها = لأمست له الأفلاك في خفقان

وما كنت ممن يسلب اللهو قلبه = وكيف وفي الأعماق سبع مثاني

وفي خلدي ذكر حكيم مرتل = معاذ إلهي ليس فيه أماني

ولي خاطر كالسيل تدنو زحوفه = وجودة ذهن فاض كالزبدان

ولا عيب لي إلا طموح مزلزل = يظل فؤادي منه في غليان

وأرسلت للأيام (لا تحزن) الذي = به من بنات الفكر كلُّ حسان

فسار مسير الشمس شرقاً ومغرباً = وصار حديث القوم كل زمان

ودبجت للفصحى مقامات شاعر = كلوحة فنان ونثر جمان

وتسعون تصنيفاً تكامل حسنها = نجوم سماء أو عقود غواني

وألفت تفسيراً عظيماً ميسراً = له روح تحقيق ووجه بيان

ولا فضل لي فيها فلله وحده = ثنائي على ما خصني وحباني

وجدي أويس الازد أفضل تابع = على صدق قولي يشهد القمران

فلا تحسب الأنساب تنجيك من لظى = ولو كنت من قيس وعبد مدان

أبو لهبٍ في النار وهو ابن هاشم = وسلمان في الفردوس من خرسان

فلا تلهك الدنيا بلهو فإنه = يعاق مسير الشمس بالدبران

فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد = وخرب فأرٌ ما بنى اليمنان

أضف تعليق